ما أحلى الرجوع إليه

كنت منشغلة خارج البيت طوال اليوم، وفي الطريق انتبهتُ إلى أنني تحسستُ حقيبتي وأخرجت منها مفاتيح المنزل قبل أن أدخل الحارة. راقبتُ مشاعري وأدركت جيدًا أنني بفعلي هذا سعيدة بترقبي العودة إلى المنزل. وكما تقول شانيا توين في أغنيتها Honey I’m home and I had a hard day!

تعجبني فكرة المنزل. أرض في مكان ما بُنيت عليها غرف وجدران وسقف، وعندما يُقفل الباب تُصبح في عزلة عن بقية البشر من حولك الذين لديهم غرف وجدران أيضًا وقصص خاصة بهم. في المنزل أشخاص تحبهم، وأغراض تملكها وتحبها، وهوايات تمارسها، وطعام شهي، وقصص وحكايات، وسرير تهجع إليه في المساء.

( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً )

يقول غاستون باشيلارد في كتابه شاعرية الفضاء أن المنزل هو ”طبوغرافيا -أو علم التضاريس- لذواتنا“. وله فلسفة جميلة عن المنزل إذا يقول ”لو طلب مني أن أحدد المنفعة الرئيسية للمنزل سأقول: إن المنزل هو ملجأ الأحلام، إذ يحمي الحالم ويدعه يحلم في سلام“. 

لا نرتدي الأقنعة في منازلنا، لذلك يُعرف المرء بتعامله في المنزل. ويُقال أن الشخص السعيد هو من يكون سعيدًا في منزله. كلنا نجد السعادة مع الأصدقاء وأحبابنا في المقاهي والمطاعم وأثناء السفر، لكن هل نجدها في منازلنا؟ تنبه الكثير إلى هذه النقطة أثناء الجائحة، ولذلك قرروا إعادة ترتيب منازلهم وتنظيمها، لكن الكثير تجاهلوا إن الفكرة كلها تكمن في إعادة ترتيب وتنظيم أنفسنا أولًا وعلاقاتنا مع من يشاركنا السكن. 

وإن كانت نجاة الصغيرة تتغنى في حبيبها بعد عراك ضده لتُنهي أغنيتها برجوعها إليه وتقول ”ما أحلى الرجوع إليه“ فالمنزل وحده هو الذي يخلق هذا الشعور: نحن نشعر بالسعادة عندما نغادر المنزل، ولكن نشعر بسعادة أكبر عندما نرجع إليه ”ما أحلى الرجوع إليه“. 

لكن تذكر:
وأنت تعود إلى البيت، بيتك.. فكّر بغيرك
لاتنسَ شعب الخيام 

اقتراحات ذات صلة:
– مسلسل سابع جار
– تدوينة غرفة تخص المرء وحده
– تدوينة الحياة الطيبة

عادات الكتابة عند مؤلفي أعظم ١٠ روايات

 

أدرج سومرست موم في كتابه (روائيون عظام ورواياتهم) ١٠ روايات يعتقد بأنها أفضل ١٠ روايات في العالم. ثم كتب نبذة عن حياة كل من المؤلفين العشرة، لكن ”لم نبحث عن حياتهم الشخصية؟“ يؤكد موم أن ”نوع الكتب التي يكتبها الكاتب يعتمد على طبيعته، فإذا كان كاتبًا جيدًا فمن المستحسن أن نعرف ما يمكن معرفته حول تاريخه الشخصي“. 

لاحظت أنهم يتبعون نمطًا متشابهًا في العادات فيما يخص الكتابة، ورأيت أنه من الأفضل أن أنقلها هنا واختصرها لعلها تفيدكم: 

١- الكثير من القراءة: كل هؤلاء الكتاب كانوا يقرأون كثيرًا وبنهم. تولستوي كان يقرأ بشكل يومي وبلغات مختلفة. أما تشارلز ديكنز فقد قرأ في طفولته دون كيخوته، وتوم جونز، وقس ويكفيلد وغيرها وأعاد قراءتها. يقول موم أن جين أوستن كانت مثقفة وقرأت روايات مترجمة عن الفرنسية والألمانية وقد عرفت شكسبير جيدًا. أما ستندال فكان يحرص على قراءة صفحة من القانون المدني قبل أن يشرع في الكتابة حتى يهذب لغته. وقرأت ايميلي برونتي الكلاسيكيات الإنجليزية بشكل ممتاز. أما هيرمان ميلفيل صاحب موبي ديك فقد قرأ الكثير أيضًا كما هو واضح في روايته حيث ينثر الشخصيات فيها نثرًا. 

٢- كثرة الكتابة: كل هؤلاء كانوا يكتبون كثيرًا. جين أوستن بدأت الكتابة في عمر مبكر. أما ايميلي برونتي فقد كانت تكتب كثيرًا للهروب من الواقع. بل كان فلوبير يكرس نفسه للكتابة ”لا نعرف أحدًا من الكتاب كرس نفسه بتلك المثابرة لفن الأدب مثل فلوبير.. فهدف الحياة بالنسبة له هو الكتابة“. وكان ديكنز مجتهدًا في الكتابة بحيث أنه يبدأ بكتابة كتاب جديد قبل أن ينتهي من القديم.

٣- الإصرار: يبدو أن الحياة اقتضت أن لكل مجتهد نصيب، وبالطبع لم تصل لنا هذه الروايات إلا عندما جاهد أصحابها كثيرًا. يقول موم أن جين أوستن عندما كتبت لم تلق استحسانا لدى الجمهور، لأن ”الرأي العام كان كارهًا للتأليف النسائي“. وعندما كتب بلزاك مأساة عن كرومويل اتفقت عائلته والبروفسور الذي أرسل له المسودة أنها رواية لا قيمة لها، لكنه غضب وأصر على العمل وكتب نحو ٥٠ كتابًا ومسرحيات ”بعضها رُفض والبقية فشلت فشلًا ذريعًا“.

٤- تدوين الملاحظات والتأمل: كان فلوبير يعتقد بأنه ”كي يكتب المرء جيدًا، فعليه أن يشعر جيدًا، ويفكر جيدًا ويتكلم جيدًا“. أما جين أوستن فكانت تتمتع بأذن جيدة. أما تشارلز ديكنز فقد كان يتمتع بقوة ملاحظة هائلة. وكان بلزاك يحمل معه دفترًا يدون فيه الملاحظات حيثما ذهب ”وحين يجد شيئًا يراه ذا فائدة، أو يعثر مصادفة على فكرة نابعة منه، أو من شخص آخر يدونها“. وكان يزور الأماكن التي يرغب في وصفها.

٥- يكتبون عن تجاربهم وخبراتهم: كان فلوبير مدركًا أن الكتابة تحتاج إلى خبرة بالعالم من حوله، وأنه لا يستطيع أن يُبدع في الكتابة وهو معتزل عن العالم. لذلك ”قرر أن يذهب إلى باريس حيث يمضي ثلاثة أو أربعة أشهر من كل عام“. لكن ماذا عن جين أوستن؟ لقد كانت سيدة مُعتزلة مقارنة بفلوبير ولكنها كتبت عن تجاربها وخبراتها متمثلة في مجتمعها عن حفلات الرقص والأحاديث النسائية، ولاحظ موم أنها ”لم تحاول أبدًا إعادة خلق محادثة بين الرجال، لأنها لم تسمعها في الواقع“! 

أما ميلفيل فقد كان يكتب عن تجاربه ومغامراته في جنوب الباسيفيك من أجل أن يكسب المال. وكان هنري فيلدينغ يتعلم من الحياة ويكتب عنها في شخصياته.

٦- الكثير من التعديلات: كما تولستوي الذي كان يراجع كتاباته ويحذف الزوائد والمقاطع غير الواضحة، كان فلوبير أيضًا ”يكتب مسودة تقريبية لما يود قوله، ثم يعمل عليها، يطور ويحذف، ويعيد الكتابة إلى أن يحصل على التأثير المطلوب.. كان يخرج إلى التيراس ويقرأ بصوت عال الجمل التي كتبها ليكون على قناعة من أنها إن لم تكن جميلة الجَرس في الأذن أو أن نطقها ليس سهلًا، فلا بد أن هناك شيئًا خاطئًا فيها“. أما بلزاك فقد كان يعدل ويحذف كثيرًا ”إنه لا يضيف كلمات فقط، بل يضيف جملًا وليس فقط جملًا، بل فقرات، وليس فقرات فقط، بل فصولًا“.

تدوينات أخرى تتعلق بالكتابة: 
نصائح تولستوي في الكتابة 
روتين هنري ميللر الإبداعي في الكتابة